مستخدم يحتاج برنامجاً لأداء مهمة أو مهام بسيطة، غالباً لمرة واحدة، فينتهي به الأمر بعد البحث بإنشاء عشرات الحسابات لاستخدام العديد من الخيارات، وذلك لأنه وسط استخدام كل من هذه البرامج يتفاجأ بالحاجة لاشتراك مدفوع كي يستفيد من مختلف ميزاتها. هل يبدو هذا السيناريو مألوفاً بالنسبة لك؟ لستَ الوحيد الذي يعاني من هذا الأمر، والسبب بالتأكيد ليس عدم وجود برامج مجانية لأداء مختلف المهام، إنما هو انسداد الطريق الذي يوصلك إلى هذه البرامج.
المصادر المفتوحة
يتم إنشاء معظم البرامج التي نعرفها من قبل شركات ربحية، والتي يتطلب استخدامها بالتالي دفع ثمنها لهذه الشركات، وفي حين كانت معظم البرامج متاحة للشراء مرة واحدة في السابق، انتقلت معظم شركات تطوير البرامج في العقد الأخير إلى توفير منتجاتها مقابل اشتراك شهري أو سنوي، مع توفير نسخة محدودة في بعض الحالات يمكن شراؤها لمرة واحدة، ولكنها غالباً ما تفتقد للتحديثات الضرورية بعد فترة من الزمن.
مثلاً انتقلت مايكروسوفت إلى توفير حزمة برامجها المعروفة (وورد، إكسل، باور بوينت…ألخ) وفق اشتراكٍ شهري في حزمة “مايكروسوفت 365″، والتي توفّر استخدام النسخة الأحدث من هذه البرامج، إلى جانب بعض الميزات المتعلقة بخدماتها عبر الإنترنت مثل الحصول على مساحة أكبر في خدمتها السحابية “ون درايف”. وإلى جانب حزمة “مايكروسوفت 365″، توفر مايكروسوفت الحصول على نسخة قابلة للشراء مرة واحدة من برامجها الأساسية بدون الميزات المتوفرة عبر الإنترنت.
في المقابل توجد مجموعة من البرامج المتوفرة مجاناً للجميع تعرف باسم البرامج مفتوحة المصدر، والتي غالباً ما تتم إدارتها وتطويرها من قبل مجمّعات من المبرمجين يقومون بعملهم بدون مقابل مادي من المستخدم النهائي، أي يقدّمون جهودهم تطوّعاً أو مقابل التبرعات التي يتم تقديمها للمشروع ككل.
توصف هذه البرامج بأنها مفتوحة المصدر لكونها تتيح نصوصها البرمجية للجميع، وبالتالي تمكّن المبرمجين الآخرين من إنشاء نسخ أخرى منها وتعديلها وتحسينها لخدمة أغراض معينة، وغالباً ما تقدم البرامج مفتوحة المصدر بدائل لأكثر البرامج المدفوعة رواجاً. مثلاً يقدم نظام لينوكس الشهير بديلاً لنظام تشغيل ويندوز، ويتم استخدامه على نطاق واسع خصوصاً في تشغيل المخدّمات، كما إنه يشكل نواة نظام أندرويد الذي تعمل به معظم الهواتف الذكية اليوم.
هناك بدائل مفتوحة المصدر لكل برنامج تقريباً، فبديل برامج أوفيس من مايكروسوفت هو حزمة برامج “ليبر أوفيس” (Libre Office) التي تتضمن بديلاً لبرنامج وورد باسم “رايتر” (Writer) وبديلاً لبرنامج إكسل باسم “كالك” (Calc) ولبرنامج باور بوينت باسم “إمبرس” (Impress)، وليس ليبر أوفيس البديل الوحيد، فهناك أيضاً “دبليو بي إس أوفيس” (WPS Office) و”أوبن أوفيس” (Open Office)، ولعل أشهر البرامج مفتوحة المصدر التي استخدمناها جميعاً برنامج “ميديا بلاير كلاسيك” (Media Player Classic أو MPC)، والذي توقف تطويره عام 2017.
من الضروري معرفة أن البرامج مفتوحة المصدر لا تتوفر مجاناً دائماً بالضرورة، فالكثير من المشاريع تتيح جزءاً من خدماتها مجاناً، وتتطلب دفع اشتراك مقابل استخدام الأجزاء التي تتطلب استخدام ذاكرة سحابية أو التعاون مع مستخدمين آخرين مثلاً، وبالتالي تتطلب من مطوّريها تكلفة مستمرة بالتالي، كما إن الكثير من الشركات الربحية تختار جعل برامجها مفتوحة المصدر كي تساهم مثلاً في تطوّر القطاع الذي تعمل فيه بشكل أسرع.
يعد “مركز التوزيع” الأشهر لهذه البرامج موقع “غيت هاب” (GitHub)، ويقدّر عدد المشاريع مفتوحة المصدر التي يستضيفها بأكثر من 30 مليون، وبحسب دراسة “غيتنوكس” المنشورة في ديسمبر الماضي، فإن 78% من الشركات تستخدم برمجيات مفتوحة المصدر، كما يعتمد أكثر من 90% من المبرمجين على مكوّنات مفتوحة المصدر في عملهم.
ما دام هناك هذا العدد من البرامج مفتوحة المصدر وبالتالي المجانية غالباً، لماذا لا نستطيع أن نجد برنامجاً مجانياً يلبي احتياجاتنا؟
غوغل والتسويق بالعمولة
أياً كان الموقع الإلكتروني الذي يبحث المستخدم فيه عن ضالته، فإنه غالباً ما يصل إليه عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو محركات البحث، وفي حالة الأخيرة فإنه غالباً غوغل.
يعتمد محرّك بحث غوغل على خوارزمية يتم تحديثها باستمرار لاختيار النتائج التي سيظهرها لك، وذلك وفقاً للكلمات التي استخدمتها في بحثك، وتاريخ تصفحك للإنترنت، وموقعك الجغرافي، وعلى الجانب الآخر سيبحث عن المواقع التي تحقق ثلاثة شروط أساسية:
- الصلة بكلمات البحث، والتي يقيسها من خلال عدد المفردات التي تطابق كلمات بحثك، والزمن الذي يقضيه من استخدموا ذات كلمات بحثك على الموقع، ومدى تخصص الموقع في مجال بحثك، وعوامل أخرى.
- جودة المحتوى، والتي يقيسها من خلال بنية المحتوى، أي مدى تنظيمه وتقسيمه بشكل يسهل قراءته، إلى جانب قياس مقروئية النص باستخدام أدوات رقمية ترصد مثلاً طول الجمل والفقرات، والمفردات المستخدمة وما إلى ذلك.
- السلطة أو مكانة الموقع، والتي يقيسها بشكل أساسي بناءً على عدد المواقع التي تحتوي روابط تحيل لهذا الموقع، ومدى مشاركة المستخدمين لصفحات من الموقع على شبكات التواصل الاجتماعي.
باتت المواقع التي تجيد تحرير محتواها بما يتوافق مع خوارزميات محركات البحث، وغوغل خصوصاً، تشكّل قطاعاً اقتصادياً بحد ذاته، يُسمّى خطأً بالتدوين (Blogging)، ولكن هناك تسمية أخرى هي الأدق وهي “المواقع المتخصصة” أو “المواقع شديدة التخصص” (Niche Sites)، وهي مواقع إلكترونية غالباً ما تعالج مجالاً أو موضوعاً واحداً، الأمر الذي يجعلها مفضلة لدى غوغل الذي يحاول أن يعطي المتخصصين الأولوية في نتائج البحث، وتعتمد بكثافة على إيجاد كلمات أو عبارات البحث الأكثر رواجاً وصناعة محتوىً يلائمها.
ويأتي المردود المادي لهذه المواقع من أربعة مصادر رئيسية، الإعلانات التي تظهر على الموقع، والمحتوى المدفوع، أي التدوينات والمقالات التي تدفع الشركات مقابل نشرها على الموقع، وبيع المنتجات الخاصة بالموقع، وغالباً ما تكون على شكل ثياب أو أدوات بسيطة تحمل شعار الموقع ويشتريها القراء الأكثر وفاءً، وأخيراً وهو الأهم التسويق بالعمولة.
يعد التسويق بالعمولة (أو Affiliate Marketing) أكبر مصدر للدخل بالنسبة لهذه المواقع، وطريقة عمله بسيطة جداً، يقوم المدوّن أو صاحب الموقع بإضافة روابط لصفحات شراء المنتجات الرقمية أو حتى الملموسة المختلفة، ويحصل بالمقابل على نسبة من المبيعات التي يجريها من وصلوا لهذه المنتجات عبر موقعه.
يتم ذلك عبر إضافة رمز تعريف للرابط الذي يضعه الموقع لمنتج أو خدمة ما، لتمييز المصدر الذي جاء منه المشتري، وفي بعض الحالات يتم الاحتفاظ بملفات تعريف ارتباط على جهاز المستخدم لضمان حصول المدوّنة على نسبة من مشترياته من الخدمة أو المنتج الذي يتم التسويق له، حتى وإن لم يقم بشرائها فور التعرف عليها من المدونة، وتكون لها مدة صلاحية تتراوح عادة ما بين 30 و90 يوماً.
يعد التسويق بالعمولة أكثر ربحية بكثير من الإعلانات أو المحتوى المدفوع، وذلك لكونه يدرّ أرباحاً دائمة في حال كانت الصفحة التي تحتوي رابط التسويق بالعمولة تظهر باستمرار في نتائج البحث، الأمر الذي يستطيع بعض المدونين تحقيقه من خلال إعلانات على محرك بحث غوغل نفسه ليظهر موقعهم عند البحث عن المنتجات ذات العائد المرتفع.
كيف تحصل على النتائج التي تريدها؟
ليست من مصلحة المواقع التي تعتمد على التسويق بالعمولة أن تروّج لبرامج مجانية، فكون البرنامج متوفر بالمجان يعني غالباً عدم وجود قناة للعائدات منه، ولهذا فإن صناعة المحتوى في حالة هذه المواقع تصبح بمسيرة عكسية.
بدلاً من إنشاء محتوى حول موضوع معين وظهوره للمستخدمين الذين يبحثون عنه لاحقاً، يعمد صانع المحتوى لمعرفة ما يبحث عنه المستخدمون وإنشاء محتوى مصمم ليظهر في نتائج بحثهم، وبدلاً من تجربة البرامج المخصصة لتأدية مهام معينة وتجربتها وتقديم مراجعة لها للقراء، يقوم صانع المحتوى بإنشاء قوائم يضع في رأسها المنتجات ذات برامج التسويق بالعمولة الأكثر ريعاً.
على هذا المنوال، فإن بحثك عن برنامج ما سيظهر لك نتائج من المواقع الأكثر براعة في تحقيق شروط خوارزميات محركات البحث، وهذه المواقع بدورها تعتمد على التسويق بالعمولة وبالتالي لا مصلحة لها في تقديم برامج مجانية أو مفتوحة المصدر، وهكذا فإن النتائج التي ستكون على رأس القائمة حين تبحث هي بشكل أو بآخر مواد تسويقية، وتفتقد لنتائج من أو عن البرامج المجانية التي لا تخصص ميزانية للتسويق بطبيعة الحال.
الخروج من هذه الحلقة المفرغة ليس مستحيلاً، وفيما يلي ثلاث خطوات يمكنك القيام بها لتستطيع الحصول على البرامج المجانية الملائمة لحاجتك:
أضف بعض الكلمات لبحثك
مثلاً بدلاً من البحث عن “برامج لتعديل الصور” ابحث عن “برامج مجانية مفتوحة المصدر لتعديل الصور بدون اشتراك”، في الحالة الأولى سيظهر لك تطبيق كانفا (Canva) الذي يتيح ميزات محدودة وحد أقصى لحجم الصور عند تحميلها، فيما الحالة الثانية ستظهر لك تطبيق “غيمب” (Gimp) وهو بديل ممتاز مفتوح المصدر لبرنامج فوتوشوب (Adobe Photoshop)، وبشكل عام، يفضل عند البحث عن البرامج استخدام اللغة الإنجليزية أيضاً إن كان ذلك ممكناً للحصول على نتائج أكثر تنوعاً.
ابحث عن السعر
في حين تتيح لك الكثير من البرامج استخدامها مجاناً في البداية، فإنه غالباً لا تخبرك بمدة الاستخدام المجاني أو الميزات التي لا يمكنك الحصول عليها مجاناً، لذلك وقبل أن تنشئ حساباً أو تحمّل البرنامج، أجرِ بحثاً سريعاً عن سعر البرنامج، وعن الفارق بين الباقة المجانية والباقة المدفوعة، وحاول أن تجد إجاباتك بعيداً عن الموقع الرسمي للبرنامج، والذي غالباً ما سيستخدم لغة ضبابية لا توضح ما هي الميزات الفعلية التي ستحصل عليها مع مختلف الباقات.
اسأل المستخدمين الآخرين
بدلاً من البحث على غوغل، اسألك من حولك من أصدقاء أو معارف عن البدائل المجانية التي يعرفون بها، أو استخدم مواقع مثل ريديت وكوورا أو مجموعات فيسبوك لتسأل عن البرامج المجانية فعلياً والأنسب لحاجتك، أو البحث عن أسئلة مشابهة من مستخدمين آخرين.
ادعم البرامج المجانية
في حين توجد الكثير من مشاريع البرمجيات مفتوحة المصدر المجانية، فإنها غالباً ما تتوقف بعد فترة من الزمن بسبب عجزها المادي عن الاستمرار، إن كنت تستخدم برنامجاً مجانياً يحقق احتياجاتك، فكّر بالتبرع لفريق التطوير الخاص به بشكل دوري، أياً كان التبرّع الذي ستقدمه، فإنه غالباً ما سيكون أقل من الاشتراك الذي ستضطر لدفعه لبرنامج مماثل غير مفتوح المصدر، والذي غالباً ما يعتمد في بناء العديد من مكوّناته على النصوص البرمجية للبرامج مفتوحة المصدر.