الناتج المحلي الإجمالي

يعد الناتج المحلي الإجمالي من أهم الأرقام المستخدمة لقياس الأداء الاقتصادي لأي بلد أو منطقة، وتبنى عليه الكثير من المؤشرات، كما يعد مقياساً لأداء الحكومات ونجاحها في تحفيز النشاط الاقتصادي، وكثيراً ما يتم تداول التغيرات التي تصيبه كمؤشر على نجاح أو فشل السياسات الاقتصادية.

ولكن هل يصلح هذا المؤشر حقاً لقياس الواقع الاقتصادي؟ وهل ينعكس تحسنه على حياة مواطني البلد والمشاركين في اقتصاده؟ 

ما هو الناتج المحلي الإجمالي؟ 

يشير الناتج المحلي الإجمالي (GDP) إلى القيمة الإجمالية للسلع والخدمات التي تم إنتاجها داخل حدود دولة معينة خلال فترة زمنية محددة، عادةً ما تكون سنة أو ربع سنة. يُعتبر هذا المؤشر أداة رئيسية لفهم أداء الاقتصاد، حيث يعكس حجم النشاط الاقتصادي ومستوى الإنتاج.

تعتمد الكثير من السياسات المالية والنقدية والتنموية التي تضعها الحكومات والجهات التنظيمية على الناتج المحلي الإجمالي، وتسعى إجمالاً لزيادته بشكل مستمر. توصف زيادة الناتج المحلي الإجمالي بالنمو الاقتصادي، وتراجعه بالانكماش الاقتصادي، وهناك عدة طرق لحساب الناتج المحلي الإجمالي، تقوم أشهرها وأوسعها انتشاراً على حساب مجموع إنفاق المستهلكين (C) والمستثمرين (I) والحكومة (G) وصافي ميزان الصادرات (X) والواردات (M)، وتكون المعادلة المستخدمة لحسابه كما يلي:

GDP = C + G + I + (X – M)

الناتج المحلي الإجمالي = إنفاق المستهلكين + إنفاق المستثمرين + الإنفاق الحكومي + (قيمة الصادرات – قيمة الواردات)

كما قد يتم حساب الناتج المحلي الإجمالي بطريقة معاكسة تعتمد على الإنتاج بدلاً من الإنفاق، وذلك عبر الاعتماد على إجمالي الإنتاج (Gross Output) للبلد وطرح قيمة المنتجات الوسيطة في عمليات الإنتاج، كما يوجد أسلوب يقع في منطقة وسطى بين الأسلوبين يقوم على حساب إجمالي الدخل المتحقق داخل البلد من مختلف المصادر مثل الرواتب والإيجارات وفوائد رأس المال وأرباح الشركات. رغم ذلك، يبقى الأسلوب الأول هو الأكثر رواجاً والأكثر اعتماداً من مختلف المنظمات الدولية، وإن اختارت الدول أسلوباً مغايراً. 

مشتقات الناتج المحلي الإجمالي 

على الرغم من أهمية الناتج المحلي الإجمالي، إلا إنه نادراً ما يكون صالحاً بحد ذاته لأغراض القياس والمقارنة، وغالباً ما يتم استخدام مشتقاته التي تتيح النظر إليه ضمن سياقه الصحيح، آخذة في الاعتبار آثار التضخم وعدد السكان واختلافات الأسعار بين الدول. 

  • الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 

عند استخدام الناتج المحلي الإجمالي لأغراض المقارنة بين فترة زمنية وأخرى، يتم اشتقاق ما يعرف بالناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (Real GDP) ويوصف الناتج المحلي الإجمالي قبل التعديل في هذه الحالة بالناتج المحلي الإجمالي الاسمي (Nominal GDP)، حيث يتم تعديل قيمة الناتج المحلي الإجمالي الاسمي وفقاً لمعدلات التضخم مقارنة بسنة مرجعية، بحيث تعكس نسبة التغير النمو أو الانكماش الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي، بعد تحييد أثر تضخم الأسعار على قيمة المؤشر في الاعتبار.  

مثلاً إن كان الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 لبلد ما 100 مليار دولار، وتم استخدام عام 2000 كسنة مرجعية، وبلغ التضخم بين العامين 42%، يتم حساب الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي كالتالي: 

الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي = 100 مليار/1.42 = 70.42 مليار دولار. 

  • حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 

يتم استخدام حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (GDP Per Capita) لتوضيح حجم الناتج المحلي قياساً لعدد السكان، وذلك لتقديم سياق يوضح مدى تطور اقتصاد بلدٍ ما قياساً لعدد سكانها، ويتم حسابه بطريقة بسيطة قائمة على تقسيم قيمة الناتج المحلي الإجمالي على عدد السكان، وفقاً لهذا الرقم يتغير ترتيب الدول بشكل كبير عما هو عليه بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي. 

في حين تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى كصاحبة أعلى ناتج محلي إجمالي مثلاً، فإنها تحتل المرتبة الثامنة عالمياً بالنسبة لحصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تحتل لوكسمبورغ المرتبة الأولى بالنسبة لحصة الفرد بسبب قلة عدد سكانها (حوالي 670 ألف)، فيما تحتل المرتبة 69 عالمياً بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي. 

  • الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لتعادل القوة الشرائية 

يقوم مؤشر الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لتعادل القوة الشرائية (GDP PPP) على جعل الأرقام أكثر قابلية للمقارنة بين الدول المختلفة، وذلك عبر عدم اعتماد سعر الصرف بين عملتين (دولار أمريكي وجنيه مصري مثلاً)، إنما عبر قياس القدرة الشرائية الفعلية للعملتين في كل من البلدين، عبر قياس أسعار سلة منتجات وسلع وخدمات، ومقارنتها بين البلدين وتعديل سعر الصرف على أساسها. 

على هذا الأساس يتم قياس حصة الفرد من الناتج المحلي باستخدام عملة الدولار الدولي (G-K $)، التي طورها على مرحلتين كل من الاقتصادي الأمريكي روي س. جيري (G) والاقتصادي الفلسطيني سالم حنا خميس (K)، ويتم احتساب سعر صرف الدولار الدولي على أساس تعادل القوة الشرائية، بالتالي يختلف سعر صرفه عن سعر الصرف الحقيقي للدولار الأمريكي باختلاف مستوى الأسعار في بلد العملة المقابلة. ويُعد هذا المؤشر من أدق المؤشرات للمقارنة بين الاقتصادات والفترات الزمنية المختلفة. ويشتق منه مؤشر حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لتعادل القوة الشرائية (GDP Per Capita PPP). 

من المستفيد من نمو الناتج المحلي الإجمالي؟ 

على الرغم من أهمية الناتج المحلي الإجمالي، وارتباط نموه ارتباطاً وثيقاً بتحسن اقتصادات شتى الدول وصعود شرائح سكانية مختلفة فوق خط الفقر، فإن فوائد نموه لا تمتد إلى الجميع بنفس الدرجة غالباً، كما إن المؤشر بحد ذاته لا يصلح لقياس مدى الرخاء الاقتصادي في بلدٍ ما بدون الأخذ في الاعتبار مدى عدالة توزيع الثروة فيها. 

وهناك الكثير من العوامل التي تؤثر على مدى استفادة شرائح سكانية واسعة من ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، مثل الحد الأدنى للأجور والضرائب على مختلف مستويات الدخل والشركات، وطبيعة الأنشطة الاقتصادية المسؤولة عن زيادة الناتج المحلي الإجمالي وعدد القوى العاملة المرتبطة بها.

ولمعرفة مدى انعكاس التحسن على مختلف فئات المجتمع، يلجأ الكثير من الاقتصاديين لمراقبة مؤشر جيني (Gini)، وهو مقياس إحصائي يستخدم لتقييم مدى التفاوت في توزيع الدخل أو الثروة داخل مجتمع معين.

يتم تمثيل المؤشر بقيمة تتراوح بين 0 و1 (أو أحياناً بين 0 و100)، حيث تشير القيمة 0 إلى توزيع متساوٍ تماماً للدخل بين جميع الأفراد، بينما تعني القيمة 1 أن الدخل كله متركز في يد فرد واحد فقط. يتم حساب مؤشر جيني باستخدام منحنى لورينز (Lorenz Curve)، وهو تمثيل بياني يوضح النسبة التراكمية للدخل التي يمتلكها كل جزء من السكان، بدءاً من الأكثر فقراً حتى الأكثر ثراءً. سُمّي المؤشر باسم عالم الاقتصاد والإحصاء الإيطالي كورادو جيني، الذي قدمه لأول مرة عام 1912 كجزء من أبحاثه حول التفاوت الاقتصادي وعدم المساواة.

في إيطاليا مثلاً، نما الناتج المحلي الإجمالي (الاسمي) من 1.15 تريليون دولار عام 2000 إلى 2.4 تريليون عام 2008، أي بنسبة 108% تقريباً، ولكن عند استخدام الناتج المحلي وفقاً لتعادل القوة الشرائية، تصبح هذه النسبة 35% فقط (من 1.55 إلى 2.1 تريليون)، وتنخفض إلى 31.34% عند حساب حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لتعادل القوة الشرائية، نتيجة نمو عدد السكان خلال ذات الفترة من 56.9 مليون إلى 58.8 مليون، ما يعني أن نمو الناتج المحلي الإجمالي كان أبطأ من نمو عدد السكان، ويعود جزء كبير منه للتضخم في هذه الفترة وليس لزيادة فعلية في النشاط الاقتصادي، وتزامن ذلك مع زيادة في عدالة توزيع الدخل والثروة، حيث انخفضت قيمة مؤشر جيني في ذات الفترة من 35.2 إلى 33.8، أي أصبح توزيع الثروة أكثر عدالة بنسبة 4.1%. 

مؤشرات بديلة للناتج المحلي الإجمالي 

في حين يصلح إجمالي الناتج المحلي والمؤشرات المشتقة منه لقياس حجم النشاط الاقتصادي في بلدٍ ما خلال فترة معينة، هناك الكثير من المؤشرات البديلة المستخدمة على نطاق واسع لقياس التقدّم الذي تحققه البلاد على مختلف المستويات، وتأخذ في الاعتبار عوامل أخرى سوى الإنفاق، مثل مدى توفر وجودة مختلف الخدمات والتأثيرات التي تتركها على حياة السكان. 

  • مؤشر السعادة

تم تطوير مؤشر السعادة من قبل تحالف السعادة (Happiness Alliance)، بناءً على “مؤشر السعادة الوطنية” الذي استخدمته مملكة بوتان رداً على الضغوط التي تعرضت لها لاستخدام الناتج المحلي الإجمالي في التخطيط الاقتصادي، ويهدف هذا المؤشر إلى تقديم فهم أوسع لمفهوم السعادة، يتجاوز العوامل الاقتصادية، ويركز على الرفاهية والرضا عن الحياة.

يقيس مؤشر السعادة عدة مجالات، منها الصحة النفسية والبدنية، والتوازن بين العمل والحياة الشخصية، والمجتمع، والدعم الاجتماعي، والتعليم، والفنون والثقافة، والبيئة، والحوكمة، والرفاهية المادية، والعمل. وضمن كل مجال يتم تقييم عوامل محددة، مثل التفاؤل في الصحة النفسية، والأمان المالي في الرفاهية المادية، والثقة في الحكومة ضمن الحوكمة.

  • مؤشر التنمية البشرية (HDI) 

يقيس مؤشر التنمية البشرية، الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ثلاثة أبعاد رئيسية للتنمية البشرية: متوسط العمر المتوقع ومتوسط سنوات التعليم ومتوسط الدخل الفردي. يتجاوز هذا المؤشر النمو الاقتصادي بصيغته البسيطة، ليشمل تأثيراته الفعلية على سكان البلاد، كما يتم تعديل مؤشر التنمية البشرية لإنتاج مؤشر التنمية البشرية المعدل بحسب اللامساواة (IHDI)، والذي يضيف عامل مدى عدالة الاستفادة من الإنجازات المتحققة في مجالات المؤشر الثلاثة لمختلف شرائح السكان، ويؤدي غالباً إلى قيمة أقل من قيمة المؤشر الأساسية. 

  • مؤشر التقدم الحقيقي (GPI) 

يحاول مؤشر التقدم الحقيقي الأمريكي قياس التقدم الحقيقي للدولة من خلال قياس عدة عوامل مثل عدالة توزيع الدخل والأضرار البيئية المترتبة على النشاط الاقتصادي وقيمة العمل غير المأجور، كالأعمال المنزلية ورعاية الأطفال، والتي غالباً ما يتم استبعادها من حسابات الناتج المحلي الإجمالي، فيضيف المؤشر قيمة المساهمات الإيجابية في الرفاهية ويطرح قيمة السلبيات، لتقديم صورة أوسع وأشمل للتقدم المتحقق. يهدف هذا المؤشر إلى إظهار ما إذا كان النمو الاقتصادي يؤدي بالفعل إلى تحسينات حقيقية في الرفاهية. 

  • الناتج المحلي الإجمالي الأخضر (Green GDP أو GGDP) 

يأخذ هذا المؤشر في الاعتبار التكاليف الاجتماعية والبيئية للنمو الاقتصادي في عين الاعتبار، حيث يستخدم قيمة الناتج المحلي الإجمالي ويطرح منه تكاليف الأضرار البيئية والاجتماعية الناجمة عن النشاط الاقتصادي في نفس السنة. 

  • مؤشر الحياة الأفضل (BLI) 

طورت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) مؤشر الحياة الأفضل لأن “هناك في الحياة أكثر من أرقام الناتج المحلي الإجمالي والإحصاءات الاقتصادية الباردة” وفقاً لموقع المنظمة، ويأخذ هذا المؤشر في الاعتبار 11 جانباً يبني عليها تقييماً لجودة الحياة في دول المنظمة، وهي: السكن، والدخل، والوظائف، والمجتمع، والتعليم، والبيئة، والحوكمة، والصحة، والرضا عن الحياة، والأمان، والتوازن بين العمل والحياة. 

  • مؤشر الثروة الشاملة (IWI) 

أنشأت كل من جامعة الأمم المتحدة (UNU) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) مؤشر الثروة الشاملة، الذي يقيس ثروات الدول بدون النظر فقط إلى رأس المال المُنتج (مثل المباني والبنى التحتية)، ولكن أيضاً رأس المال الطبيعي (مثل الغابات والمعادن) ورأس المال البشري (المهارات وتعليم السكان)، لتقديم رؤية أكثر شمولية لثروة الدول ومدى استدامتها.


* كافة الأرقام الواردة في هذا المقال مستقاة من بيانات البنك الدولي في شباط/فبراير 2025

تفعيل الإشعارات موافق لا، شكراً