على الرغم من كون بورصات التداول مفتوحة للجميع، إلا إن الأدوات والبيانات التي يملكها كبار المستثمرين من صناديق تحوط وبنوك استثمارية وما شابه تجعلهم قادرين على تحقيق نتائج أفضل في هذه السوق، وفي القرن الحالي تعد برمجيات التداول عالي التردد من أهم الأدوات التي تمنح الأفضلية لكبار المستثمرين، وتجعل المستثمرين الأفراد بمواجهة جيش من الخوارزميات يستحيل عليهم مجابهتها أو مضاهاة سرعتها وقدراتها.
ما هو التداول عالي التردد؟
التداول عالي التردد (High-Frequency Trading) هو أسلوب تداول يستخدم برمجيات عالية القدرات، تستطيع التعامل مع عدد كبير من أوامر التداول خلال أجزاء من الثانية. يستخدم التداول عالي التردد خوارزميات معقدة لتحليل أسواق متعددة وإعطاء الأوامر بناءً على ظروف السوق المختلفة والمتشابكة. عادةً ما يكون المتداولون القادرون على التداول بسرعة أكبر أكثر ربحية من الآخرين، ولهذا يعد التداول عالي التردد من الأدوات المهمة للشركات الاستثمارية لتحقيق أرباح مرتفعة والاستفادة من ظروف السوق للحد الأقصى.
يعد التداول عالي التردد من أدوات التداول المؤتمتة، أي يتم تنفيذ أوامر التداول بشكل تلقائي بدون الحاجة للتدخل البشري. يعتمد التداول عالي التردد على خوارزميات مهمّتها رصد فرص تحقيق الأرباح عبر تحليل كمية هائلة من البيانات القادمة سواءً من السوق نفسه، أو من خارجه، وتقوم على هذا الأساس بإنشاء أوامر تداول خلال أجزاء من الثانية.
ما الفرق بين التداول عالي التردد وروبوتات التداول؟
تستخدم كل من روبوتات التداول (أو التداول الآلي) والتداول الخوارزمي برامج الكمبيوتر لتنفيذ الصفقات تلقائياً في مختلف بورصات التداول، ولكن هناك بعض الاختلافات الرئيسية بين الاثنين.
تشير روبوتات التداول إلى برامج مجهزة مسبقاً لتنفيذ عمليات التداول تلقائياً نيابة عن المتداول، وتعتمد عادةً على قواعد أو شروط معينة محددة مسبقاً، يمكن أن يشمل ذلك أوامر مثل شراء أو بيع أصل معين عندما يصل إلى سعر أو حجم تداول محدد، أو استخدام المؤشرات التقنية لرصد اتجاهات وتنفيذ التداولات المحدد مسبقاً. غالباً ما يتم استخدام روبوتات التداول من قبل مستثمري التجزئة والأفراد الذين يستخدمون الروبوتات لأتمتة استراتيجيات التداول الخاصة بهم بدون اتخاذ القرار نيابة عنهم.
أما التداول عالي التردد فيقوم باستخدام النماذج الرياضية المتقدمة والخوارزميات لاتخاذ قرارات التداول وتنفيذ الصفقات، ويميل هذا النوع من التداول ليكون أكثر تعقيداً وتشابكاً من روبوتات التداول، ورصده لمجموعة واسعة من بيانات السوق، مثل تحركات الأسعار التاريخية والأخبار وعوامل أخرى، ولكن بعيداً عن حجم القدرات، يكمن الفرق الأساسي في أن برمجيات التداول عالي التردد تتخذ قرارات التداول، بينما روبوتات التداول تقوم بتنفيذ استراتيجية أو أسلوب محدد مسبقاً.
فوائد التداول عالي التردد
ويحقق التداول عالي التردد عدّة فوائد لمستخدميه والأسواق التي يستخدم فيها، من أهمها:
- السرعة الفائقة
تستطيع برمجيات التداول عالي التردد اتخاذ القرار وإجراء عملية التداول خلال فترة قصيرة تصل إلى 10 ميلي ثانية (0.01 ثانية)، وأحياناً تستطيع تنفيذ عدد كبير من الطلبات خلال ذات الفترة، وفي ظل كون معظم دفاتر طلبات التداول إلكترونية في الوقت الحالي ولا تتطلب إجراءات بيروقراطية لتنفيذ الطلبات، فذلك يجعل التداول عالي التردد قادر على التفاعل بشكل شبه فوري مع أي تغير يحصل في السوق.
- تنفيذ عدد كبير من المعاملات
في حين يستطيع المتداول الفردي تنفيذ عدد محدود من الطلبات في اليوم الواحد، فإن التداول عالي التردد يمكّنه من تنفيذ عدد هائل من الطلبات في الثانية الواحدة، فإضافة إلى سرعة هذا النوع من البرمجيات، فإنها قادرة على عكس البشر وبرامج أتمتة التداول التقليدية أداء عدة مهام في الوقت نفسه، ومراقبة عدة مستويات من السوق والتفاعل معها كذلك.
- الأرباح على المدى القصير
يلائم التداول عالي التردد بشكل خاص أسلوب التداول اليومي، وهو الأسلوب التي يحاول المتداول من خلاله التربّح من حركات الأسعار الصغرى خلال ذات اليوم أو الساعة، ولكن عادة ما يتطلب هذا الأسلوب إجراء الكثير من المعاملات لتحقيق أرباح معقولة، نظراً لكونه يعتمد على فروقات بسيطة تقل عن 1%. من خلال التداول عالي التردد يمكن مضاعفة التداولات اليومية عدة مرات، وبالتالي مضاعفة الأرباح الصغرى التي تتحقق منها، مع القدرة على التخلص من الأصول المتعثرة فور إظهارها لأي أعراض تعثر مقبل.
- تحسين السيولة
إضافة للفوائد التي يعود بها التداول عالي التردد على مستخدميه، مثل القدرة على تحقيق الأرباح من تقلبات الأسعار البسيطة وتنفيذ عدد كبير من الصفقات في وقتٍ قصير، يرى العديد من أنصار التداول عالي التردد بأنه يعزز السيولة في الأسواق، ويزيد من المنافسة فيها، حيث يتم تنفيذ الصفقات بشكل أسرع ويزداد حجمها بشكل ملحوظ في الأسواق التي يُستخدم فيها التداول عالي التردد.
زيادة السيولة تؤدي بدورها إلى انخفاض فروق أسعار العرض والطلب (أو ما يعرف باسم bid-ask spread)، مما يجعل الأسواق أكثر كفاءة في الأسعار، حيث تكون حركة الأسعار ضمن الهوامش الصغرى أكثر قابلية للحصول، فكل أمر شراء (طلب) يكون له أمر بيع (طلب) مقابل له.
عيوب التداول عالي التردد
على الرغم من كون التداول عالي التردد قانوني، إلا يتعرّض للكثير من الانتقادات، كما إن الكثير من الأنشطة الممكنة عبره بسبب قدرته الاستيعابية الواسعة غير قانونية، ويمكن تلخيص أبرز انتقادات التداول عالي التردد في ما يلي:
- انحياز لصالح كبار المستثمرين
يعد أهم انتقاد موجه للتداول عالي التردد هو أنه يمنح أفضلية غير عادلة لكبار المستثمرين مثل صناديق التحوط والبنوك الاستثمارية القادرة على تحمّل التكاليف الباهظة هذا النوع من الأدوات، وفي الوقت نفسه تمتلك رأس المال الكافي لتوظيفه، في حين لا يستطيع صغار المستثمرين من الأفراد خصوصاً مجاراة سرعة هذه البرمجيات في تحليل السوق، والتعرف على الفرص الممكنة، وتنفيذ الصفقات التي تستنبط الأرباح من هذه الفرص.
- السيولة الوهمية
على الرغم من سماح الكثير من البورصات والأسواق المالية بالتداول عالي التردد كي تعزز السيولة وتخفض الفارق بين أسعار العرض والطلب، إلا إن كثيرين يرون أن هذه السيولة التي يخلقها التداول عالي التردد سيولة وهمية، وذلك بسبب سرعة تنفيذ الصفقات، وتنفيذ الكثير من أوامر التداول بين برمجيتي تداول عالي التردد، ما يعني أن هذه السيولة تختفي خلال ثوانٍ، ولا يستفيد منها المستثمرون التقليديون كثيراً.
- إمكانية التلاعب بالسوق
بسبب القدرة الهائلة التي تملكها برمجيات التداول عالي التردد، والتي تمكنها من إجراء عشرات آلاف الصفقات في اليوم الواحد، فإنها قابلة للاستخدام من أجل التلاعب بالسوق، حيث يستطيع مستخدمو التداول عالي التردد بسهولة تنفيذ أنشطة غير قانونية مثل التداول الوهمي، أو تضخيم الأسعار، أو اختلاق أحجام تداول مرتفعة بهدف التلاعب بالسوق لصالحهم، الأمر الذي سيحصل غالباً على حساب المشاركين الآخرين في السوق الأقل قدرة على رصد هذه التلاعبات أو مجابهتها بسبب محدودية قدراتهم.
- تضخيم تحركات السوق
قد تساهم خوارزميات التداول عالي التردد في تضخيم تحركات السوق، من خلال تحفيز الشراء أو البيع التلقائي استجابة لظروف معينة في السوق، ما يؤدي إلى زيادة التقلبات في الأسواق وتعزيز هبوط أسعار الأصول المختلفة خصوصاً، الأمر الذي يمكن أن يؤثر سلباً على المشاركين الآخرين في السوق، كما يؤثر خصوصاً على الأصول التي تواجه مصاعب بسبب تسريع هذه البرمجيات لانهيارها قبل أن يتاح للمسؤولين عنها الوقت الكافي لتدارك الوضع.
- تهديد سلامة البورصات
يمكن لكمية وسرعة الصفقات التي تقوم برمجيات التداول عالي التردد بتنفيذها أن تقوّض البنية التحتية التي تجري هذه الصفقات ضمنها، خصوصاً حين تكون البنية التكنولوجية لدفاتر الطلبات غير مهيأة لكمية الصفقات الكبيرة هذه، وتتزامن مع حركة مفرطة في السوق بسبب مختلف المتغيرات، الأمر الذي قد يؤدّي إلى توقف عمل هذه البورصات والتسبب بتأخير تنفيذ الطلبات بالنسبة للمشاركين الآخرين في السوق.
وليست البيئة التكنولوجية المتضرر المحتمل الوحيد من التداول عالي التردد، فالجهات التشريعية كذلك تواجه تحديات كبيرة بسبب التداول عالي التردد، تتمثل خصوصاً في الزيادة الضخمة لكمية البيانات التي سيكون عليها مراقبتها وتحليلها لرصد أي أنشطة مشبوهة أو غير قانونية.
- الأخطاء القاتلة
الطبيعة عالية السرعة للتداول عالي الترد تؤدي لتنفيذ الصفقات في أجزاء من الثانية، وبالتالي لا تترك مجالاً كبيراً للتدخل البشري في حال حدوث خطأ ما، كإجراء عمليات تداول غير مقصودة وخسائر كبيرة نظراً لتزويد برمجيات التداول عالي التردد ببيانات غير منطقية تؤثر على نتائج تحليلها للأسواق والقرارات التي تتخذها على أساس هذه النتائج.